فريق ترامب- أمريكا أولاً، عواصف قادمة وحزام أمان إلزامي.

المؤلف: كمال أوزتورك10.02.2025
فريق ترامب- أمريكا أولاً، عواصف قادمة وحزام أمان إلزامي.

لقد انتابنا القلق العميق والتساؤلات الحائرة حول المصير الذي ينتظر العالم إذا ما تبوأ ترامب سدة الرئاسة في الولايات المتحدة، ولكن المفاجأة تكمن في أن ترامب، على ما يبدو، قد شكل حكومة تجعله يبدو وكأنه صوت العقل والاعتدال مقارنة ببقية أعضاء فريقه ذوي التوجهات المتطرفة.

إن مجرد إلقاء نظرة فاحصة على هذا الفريق الوزاري، تجعل المرء يشعر بضرورة ربط حزام الأمان بإحكام تحسبًا لاضطرابات جوية عنيفة، بل وربما حتى التفكير في ارتداء قناع الأكسجين للحماية من نقص الهواء.

تشكيلة الحكومة

لا شك أنكم قد قرأتم العديد من المقالات والتحليلات خلال الأيام القليلة الماضية التي تتناول التشكيلة الحكومية التي أعلن عنها ترامب؛ حيث يتميز نائب الرئيس جي دي فانس بتقلبات مزاجية حادة وغير متوقعة، بينما يُعرف وزير الخارجية الجديد، ماركو روبيو، بعدائه الشديد والمُعلن للصين وإيران، وولائه المطلق وغير المشروط لدولة إسرائيل، أما وزير الدفاع، فيبدو للجميع وكأنه نجم لامع من نجوم وسائل التواصل الاجتماعي، بدلًا من كونه مسؤولًا عن إدارة واحدة من أكبر وأقوى المؤسسات العسكرية في العالم.

وفي المقابل، فإن رئيس جهاز المخابرات الوطنية يُظهر ميلًا واضحًا تجاه روسيا، وعداءً سافرًا تجاه المسلمين، في حين أن وزير الصحة يتبنى مواقف وآراء راديكالية متطرفة ضد اللقاحات، ضاربًا عرض الحائط بكل الحقائق العلمية والأبحاث الطبية الموثوقة.

إنني لن أكرر هذه التفاصيل التي باتت معروفة للجميع، ومع ذلك، اسمحوا لي أن أذكر الخصائص والسمات المشتركة التي تجمع بين أفراد هذه الحكومة، وذلك على شكل نقاط محددة:

  • حتى لو كان بنيامين نتنياهو نفسه هو من قام بتشكيل هذه الحكومة، فربما لم يكن ليتمكن من جمع هذا الكم الهائل من المؤيدين المتحمسين لإسرائيل، فالسمة الأبرز التي تطغى على هذه الحكومة هي أنها ليست مجرد مؤيدة لإسرائيل، بل إنها مهووسة بها بشكل مرضي وغير منطقي.
  • جميع أعضائها ينتمون إلى التيار الشعبوي والقومي المتطرف، فهم يشكلون فريقًا متجانسًا يتماشى مع التيار الأبرز في العصر الحالي، وقد جعلوا من الشعبوية أسلوبًا ومنهجًا لحكمهم، مع تفضيل مفرط للقومية الأميركية المتعصبة.
  • لا يوجد بينهم شخص واحد ينظر إلى المهاجرين، أو إلى الأعراق والثقافات المختلفة، نظرة إيجابية أو متسامحة، بل إنهم جميعًا معادون بشدة للصين وإيران، وربما يكنون العداء للمسلمين أيضًا.
  • إنهم مستعدون للتضحية بالقيم الإنسانية والأخلاقية النبيلة، إذا كانت المصالح الأميركية العليا على المحك، وهم يتصفون بقدر كبير من البراغماتية النفعية التي لا تعترف بالمبادئ.
  • إنهم مجموعة متطرفة تحب التجاوزات، وتستخف بالقواعد والأعراف التقليدية للسياسة والدبلوماسية.
  • جميعهم يتبنون سياسات راديكالية متطرفة، ولا يوجد بينهم "حمامة" سلام واحدة تدعو إلى الحوار والتفاهم.

كيف سيتحركون وعلى أي أساس سيتخذون قراراتهم؟

لا يمكننا أن ننظر إلى هذا الفريق الحكومي الخطير ونقول "لا بأس، كل شيء سيكون على ما يرام"، هل تعلمون لماذا؟ لأن هؤلاء الأشخاص المتطرفين سيمتلكون السيطرة الكاملة على أكبر آلة حرب في العالم، وعلى الأسلحة النووية الفتاكة القادرة على تدمير الكوكب، وعلى الأدوات الاقتصادية القادرة على إحداث زلازل مدمرة في الاقتصاد العالمي في غمضة عين.

تخيلوا أن نضيف جنون هذا الفريق المتطرف إلى السياسة الخارجية الأميركية المتقلبة وغير المتوقعة التي شهدناها في الماضي القريب، مثل خروجهم المفاجئ والمهين من أفغانستان، أو إعلانهم الانسحاب من سوريا دون أي تخطيط مسبق أو استراتيجية واضحة؛ حيث لم يعد هناك أي آلية أو وسيلة لوقف تحركاتهم العشوائية المتهورة، مثل إرسال حاملات الطائرات من مكان إلى آخر بشكل مفاجئ، أو إطلاق الصواريخ بقرارات عشوائية غير مدروسة.

وذلك لأن ترامب الآن يتمتع بما يسمى بـ"الأغلبية المطلقة" في كل من الكونغرس ومجلس الشيوخ والبيت الأبيض، وبالتالي لن يكون هناك من يعترض طريقه أو يعرقل قراراته. وفي فترته الرئاسية الأولى، كان مجرد مبتدئ يتعرف على أروقة الدولة ودهاليز السياسة، أما الآن، فقد عاد إلى السلطة كـ"أسد جريح"، ولكنه في الوقت نفسه أكثر خبرة ودهاءً وحنكة.

من الممكن إلى حد كبير أن نتوقع الكيفية التي سيتصرف بها هذا الفريق الحكومي المتطرف في عملية اتخاذ القرارات المصيرية:

  • سوف يرفضون بشكل قاطع السياسات التقليدية والمناهج الدبلوماسية المعتادة التي تعتمد على الحوار والتفاوض، وستكون قراراتهم سريعة وغير متوقعة في أغلب الأحيان، مما يزيد من حالة عدم اليقين والفوضى في العالم.
  • شعار "اجعلوا أميركا عظيمة مرة أخرى" سيكون مجرد مظهر زائف لسلوك تجاري بحت، مع تجاهل تام للقيم الإنسانية والأخلاقية الرفيعة، مما يعني أنهم سيضعون مصالح الولايات المتحدة فوق كل اعتبار آخر في الساحة العالمية.
  • في منطقة الشرق الأوسط المضطربة، سيبتعدون عن التحالفات التقليدية التي عقدتها أميركا مع دول المنطقة، وسيتحركون بناءً على تفضيلات دينية وسياسية ضيقة، مع تركيز خاص واستثنائي على تعزيز التحالف مع إسرائيل، على غرار إعلان ترامب الأحادي الجانب بأن القدس هي عاصمة أبدية لإسرائيل.
  • بدلًا من الاعتماد على المعلومات الدقيقة والبيانات الموثوقة في تحديد سياساتهم الخارجية، سيتحركون بدوافع قومية متطرفة، ومشاعر جياشة ملتهبة، وسلوكيات شعبوية متهورة، مما قد يؤدي إلى مزيد من التوترات والصراعات والمفاجآت غير السارة في جميع أنحاء العالم.
  • قد يحققون بعض المكاسب التافهة على المدى القصير، ولكنهم بالتأكيد سيخسرون الكثير على المدى الطويل.

هذه الدوافع المتطرفة ستجعل أميركا تحقق بعض المكاسب السريعة على المدى القصير، فقد تتمكن من السيطرة على مواقع استراتيجية عدة، وتعزز اقتصادها بشكل مؤقت، ولكن في المقابل، قد نشهد أحداثًا فوضوية عارمة على مستوى العالم؛ بسبب السياسات المتغيرة والمتناقضة التي يتبناها هذا الفريق الحكومي المتقلب.

ولكن على المدى الطويل، ستؤدي هذه السياسات الحمقاء إلى تراجع قوة أميركا ونفوذها على مستوى العالم، فنظرًا لتبنيهم الأعمى لإسرائيل، أصبحت صورة الولايات المتحدة سلبية للغاية في نظر شعوب العالم، ووصلت مشاعر الكراهية والغضب تجاهها إلى أعلى مستوياتها على الإطلاق. وعلى مدى السنوات الخمس القادمة، من المتوقع أن تتزايد هذه المشاعر السلبية والابتعاد عن أميركا.

ومع هذا التحول التدريجي، سيتجه الجميع نحو الصين أو الهند كبديلين محتملين لأميركا. فالصين، بصبرها الإستراتيجي، وتقدمها الصامت المطرد، وقوتها الاقتصادية المتنامية، ستكون الوجهة المفضلة لكل من يسعى للابتعاد عن أميركا وسياساتها الخرقاء.

أما روسيا، فستبدأ مرحلة التعافي التدريجي بمجرد انتهاء الحرب الدائرة في أوكرانيا.

أما بخصوص محاولات أميركا اليائسة للحفاظ على دورها كقوة عظمى مهيمنة على العالم، فقد يكون هذا الفريق الحكومي المتطرف هو المشكلة الأكبر التي تواجهها، خصوصًا في منطقة الشرق الأوسط الملتهبة، حيث لا يمكن التنبؤ بالأزمات والكوارث التي قد يثيرها هذا الفريق المتعصب والمتحمس لإسرائيل.

على الأرجح، ستضطر الدول الواقعة في هذه المنطقة المضطربة إلى ربط الأحزمة بإحكام استعدادًا لتحمل تبعات تلك العواصف العاتية بأقل الخسائر الممكنة.

ولكنْ هناك تساؤل آخر يطرح نفسه بقوة: هل هذا التيار الشعبوي المتطرف هو مجرد ظاهرة مؤقتة أم أنه سيبقى معنا إلى الأبد؟ وهل هذه الحالة الاستثنائية الشاذة ستدوم طويلًا؟

لقد مرت أميركا بتجربة مشابهة في خمسينيات القرن الماضي، خلال فترة الحرب الباردة، عندما سيطرت ما تسمى "المكارثية" وشهدت البلاد هستيريا جنونية معادية للشيوعية طالت العالم بأسره، ولكنها تلاشت واختفت في نهاية المطاف.

فهل نحن الآن أمام فترة مؤقتة مماثلة؟ هذا ما سنناقشه بالتفصيل في المقال القادم.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة